مطمر الناعمة مقفل مجدداً، فهل يعود مشهد تكدس النفايات؟
مطمر الناعمة ـ عين درافيل مغلق مجدداً أمام شاحنات شركة سوكومي (سوكلين)، ما يعني تكدّس أكثر من ٣٠٠ طن من النفايات في الحاويات مجدداً على امتداد بيروت ومحافظة جبل لبنان. وفي مقابل فشل جولة التفاوض التي عقدت أمس مع الوزير مروان شربل، يتوقع أن تعقد جولة مفاوضات جديدة اليوم
تحاول حكومة تصريف الاعمال رمي كرة النار المتمثلة بملف النفايات المنزلية الصلبة الى ملعب الحكومة المنوي تشكليها، وفي الوقت الضائع هناك من أخطأ بالأيحاء الى الرئيس نجيب ميقاتي انه يمكن فك الاعتصام امام مدخل المطمر بمجرد تقديم اقتراحات ضبابية وعامة للوفد الذي يمثل المعتصمين.
ماذا طُرح على المعتصمين؟ ولماذا رفضوه؟
الاقتراحات التي قدمها الوزير مروان شربل لا تحدد تاريخ واضح لإقفال المطمر، لذلك قرر المعتصمون امس اعادة اغلاق الطريق امام الشاحنات، الامر الذي من شأنه ان يعيد المشكلة الى النقطة الصفر ويهدد بإغراق ٣٦٤ بلدة ومدينة بالنفايات مجدداً. وعلمت «الأخبار» ان الرئيس نجيب ميقاتي اضطر للعودة الى خط التفاوض مع المعتصمين، الذين يتوقع ان يُدعَوا اليوم الى جولة جديدة من التفاوض.
السؤال الذي طُرح امس في الأوساط السياسية والامنية: من يقف وراء اعتصام الناعمة؟ وما هي اهدافه الحقيقية؟ والجواب ان من يعتصمون امام مدخل المطمر لا ينتمون الى احزاب سياسية ولا تمون عليه اي جهة. لذلك، يصبح من العبث البحث عن «مونة سياسية» تؤدي إلى اعادة فتح طريق المطمر، قبل ان تقدم حكومة تصريف الاعمال خريطة طريقة واضحة تحدد موعداً نهائياً لاقفال المطمر. ما هي الاقتراحات التي عرضها شربل امام وفد يمثل المعتصمين ورؤساء بلديات القرى المحيطة بالمطمر بحضور رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر؟ ولماذا رُفضت؟
الاقتراح الاول يتمثل بالطلب من مجلس الانماء والاعمار تكليف استشاري متخصص وضع دراسة عن مدى تأثير نشاط المطمر على الصحة العامة. في الشكل يعتبر وضع هذا الاقتراح في رأس اللائحة خطوة غير موفقة من قبل الوزير شربل. أما في المضمون، فإن الأكيد ان مجلس الانماء والاعمار هو ليس الجهة الصالحة بتكليف استشاري لدراسة الاثر الصحي للمطمر، لأن جميع الاستشاريين والمراقبين الذين كُلِّفوا المراقبة والاشراف على اعمال الطمر صمتوا طوال السنوات الـ ١٦ الماضية عن نوعية النفايات التي تطمر، والتي ادت الى كارثة صحية وبيئية غير مسبوقة. ولذلك تطالب حملة اغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل، بأن تكلف بهذه الدراسة هيئة متخصصة ومستقلة بتكليف من رئاسة مجلس الوزراء وبالشراكة مع منظمة الصحة العالمية.
الاقتراح الثاني جاء على شكل تعهد من قبل مجلس الانماء والاعمار بتأمين مساحة ٦٠ الف متر مربع من الاراضي اللازمة لعمليات التسبيخ للمواد العضوية بحيث ترسل العوادم فقط الى مطمر الناعمة وفق الخطة الاساسية. يشكل هذا الاقتراح الاعتراف الرسمي الاول من قبل مجلس الإنماء والإعمار بأنه لم يؤمن مستلزمات العقد الموقع مع شركة سوكومي منذ عام ١٩٩٨، والمتمثل بتأمين مساحة اضافية من الارض لإنشاء مراكز معالجة للمواد العضوية، ولقد أمعن مجلس الإنماء والإعمار في تكريس هذه المخالفة على امتداد السنوات الماضية، ولم يقترح على مجلس الوزراء تأمين هذه الارض رغم قرارات التمديد المتكررة لعقود المعالجة والطمر. هذا الاقتراح، على اهميته، يبقى دون اي قيمة اذا لم يقترن بتعهد خطي من قبل شركة سوكومي بشراء المعدات اللازمة لتشغيل معمل المعالجة، وبتقديم الخطة الزمنية اللازمة لتنفيذ هذا التعهد، وبالتالي تطبيق العقد الاساسي بعدم طمر إلا عوادم النفايات في مطمر الناعمة – عين درافيل. والاهم بنظر النشطاء ان يقترح مجلس الإنماء والإعمار موقع لطمر العوادم كبديل عن المطمر بعد استنفاد الطاقة الاستيعابية في الخلية رقم ٤ التي اعلنت شركة سوكومي في آذار عام ٢٠١٣ ان المهلة القصوى الاستيعابية لاستنفاد هذه الخلية لا تزيد على ثمانية اشهر. وفي مقابل اعلان رئيس مصلحة البيئة السكنية في وزارة البيئة بسام صباغ، أن اسرع حل لمطمر الناعمة يحتاج الى ثلاث سنوات، تتضح بشكل واضح الخدعة التي تحاول الحكومة إمرارها، والمتمثلة بإقناع المعتصمين بجدوى تقديم أرض لإنشاء معمل لتسبيخ المواد العضوية في مقابل صمت مطبق عن مصير العوادم بعد وصول مطمر الناعمة الى طاقته الاستيعابية القصوى، وبعد انتهاء مدة التمديد السادس لاعمال الطمر في ١٧ كانون الثاني ٢٠١٥. لذلك تصر حملة اقفال مطمر الناعمة على ان يقترح مجلس الإنماء والإعمار موقع بديل لطمر عوادم النفايات في موقع آخر كجزء من التعهدات التي تُقدَّم لفك الاعتصام امام مدخل المطمر.
الاقتراح الثالث جاء على شكل تمنٍّ على الحكومة الجديدة المنوي تشكيلها بإعطاء الاولية القصوى لانجاز وتنفيذ الخطة الشاملة للنفايات الصلبة. ويشكل هذا الاقتراح لزوم ما لا يلزم؛ اذ سبق للرئيس المكلف تمام سلام ان اجتمع بوفد من المعتصمين، وتعهد أن يضمن هذه القضية بيانه الوزاري، وأن يشكل هيئة طوارئ مهمتها دراسة خطة النفايات فور منح الحكومة الثقة.
الاقتراح الرابع يتضمن الطلب من وزارة الطاقة والمياه بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار اتخاذ الإجراءات اللازمة لإفادة البلديات المحيطة بالمطمر من الطاقة الكهربائية الناتجة من اعمال الطمر. هذا الاقتراح ـ على اهميته ـ يغفل نقطة اساسية تتعلق بشركة سوكومي صاحبة المبادرة بالاستثمار في شراء مولد للكهرباء يعمل على غاز الميثان، ولقد سبق للشركة أن أعلنت أنها أجرت تجربة ناجحة على توليد طاقة بقوة ١.٤ ميغا واط، وقدمت تعهداً بأنها على استعداد لتوزيع هذا الطاقة مجاناً على القرى المحيطة بالمطمر، وهنا يأتي دور وزارة الطاقة في توفير الآلية اللوجستية لتطبيق هذا التعهد.
اما الاقتراح الخامس، فيتضمن الطلب الى وزارتي المالية والداخلية بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار وضع آلية واحتساب ما قد يستحق للبلديات المعنية عن الأعوام الماضية، بدءاً من عام ٢٠٠٨. وعلمت «الأخبار» من مصادر مطلعة ان الرئيس نجيب ميقاتي أوعز الى المعنيين في الوزارتين بإعداد مرسوم يحدد هذه التعويضات، مبدياً استعداده لتوقيع المرسوم ورفعه الى رئيس الجمهورية فور جهوزه.
حركة الرئيس ميقاتي لمعالجة هذا الملف جاءت بعد ابلاغه بقرار المعتصمين إعادة اغلاق طريق المطمر. وتزامنت هذه الحركة مع اجتماع عقده النائب وليد جنبلاط مع رؤساء ١٣ بلدية في قضاء عاليه، بينها البلديات الخمس المحيطة بمطمر الناعمة. كذلك ينشط النائب اكرم شهيب على خط التفاوض من أجل التوصل الى حل لهذه المسألة التي وضعها الرئيس نبيه بري على جدول اعمال لجنتي الأشغال العامة والبيئة النيابيتين في جلسة مشتركة، تعقد غداً، في حضور مجلس الإنماء والإعمار والإدارات المعنية لمناقشة موضوع النفايات وأزمة المطمر الصحي.
وكان المحامي العام المالي القاضي داني شبلي، قد استمع بتكليف من النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم الى افادة ممثل شركة سوكلين، وقرر اعتبار الشركة في تصرّف التحقيق. كذلك استدعى ممثلاً آخر للشركة الى جلسة الثلاثاء المقبل للاستماع الى إفادته.
بسام القنطار
الاخبار- عدد ٢٢٠٣ الاربعاء ٢٢ كانون الثاني ٢٠١٤