الشبكة العربية تشارك في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة في بيروت
الشبكة العربية تشارك في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة في بيروت
شاركت الشبكة العربية للبيئة والتنمية ممثلة بالمهندسة ماري تريز سيف رئيسة جمعية انسان للبيئة والتنمية، والمهندس مالك غندور جمعية امواج البيئة في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة السنوي الذي عقد في اواخر تشرين الثاني 2012 تحت عنوان ” البصمة البيئية: خيارات البقاء في البلدان العربي“.
وحذر تقرير “خيارات البقاء: البصمة البيئية في البلدان العربية” الذي أطلق في افتتاح المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، الذي عقد في 29 و30 تشرين الثاني (نوفمبر) في فندق فينيسيا إنتركونتيننتال في بيروت، من أن العرب يستهلكون ضعفي ما لديهم من موارد طبيعية متجددة، وأن ثلاث دول عربية هي صاحبة أكبر بصمة بيئية في العالم. وقد كلف المنتدى الشبكة العالمية للبصمة البيئية بإنتاج أطلس للبصمة البيئية يستقصي قيود الموارد في البلدان العربية من حيث القدرة التجديدية للطبيعية. ومن أبرز ما توصلت اليه دراسة المنتدى أن متوسط البصمة البيئية للفرد في البلدان العربية ارتفع بنسبة 78 في المئة بين العامين 1961 و2008، فيما ازداد عدد السكان 250 في المئة، ما يعني أن البصمة البيئية الإقليمية الشاملة زادت أكثر من 500 في المئة. وتراجع متوسط القدرة البيولوجية المتوافرة للفرد في البلدان العربية بنسبة 60 في المئة خلال هذه الفترة. وتعاني المنطقة ككل، منذ العام 1979، عجزاً متزايداً في القدرة البيولوجية، حيث أن طلبها على الخدمات الإيكولوجية يتجاوز الإمدادات المحلية. ولتغطية هذه الفجوة، كان لا بد من استيراد خدمات إيكولوجية من خارج حدود المنطقة. وهذه الحالة تفرض قيوداً مشددة على الازدهار الاقتصادي والرفاه البشري.
وقد سجلت قطر أعلى بصمة بيئية للفرد في العالم، تليها الكويت والإمارات. ويتبين من أرقام الأطلس أنه اذا عاش جميع سكان العالم وفق المعدل العام للمواطن العربي، ستكون هناك حاجة الى 1.2 كرة أرضية. أما اذا عاشوا وفق معدل المقيم في قطر، فستكون هناك حاجة الى 6.6 كواكب لتلبية مستوى الاستهلاك وانبعاثات ثاني اوكسيد الكربون. في المقابل، اذا عاش العالم وفق معدل الفرد في المغرب، ستكون هناك حاجة الى ثلاثة أرباع الكرة الأرضية فقط لتلبية حاجاتهم.
انعقد المؤتمر برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان ممثلاً بوزير البيئة ناظم الخوري. وشارك فيه نحو 500 مندوب من جميع أنحاء العالم العربي ودول أخرى، من الحكومات والقطاع العام والشركات والجامعات ومراكز الأبحاث والمنظمات الإقليمية والدولية، إضافة إلى ممثلي 80 مؤسسة إعلامية عربية وأجنبية.
وكان بين الحضور رئيس وزراء الأردن السابق الدكتور عدنان بدران، ووزير البيئة في فلسطين الدكتور يوسف أبو صفية، ومستشار الرئاسة المصرية لشؤون البيئة الدكتور خالد علم الدين، ونائبة وزير خارجية الدنمارك سفيرة التحديات العالمية سوزان أولبايك، والمديرة العامة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة جوليا لوفيفر، والمدير التنفيذي للمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية الدكتور عبدالرحمن العوضي، ورئيس شبكة البصمة البيئية العالمية الدكتور ماتيس واكرناغل، ورئيس نادي روما الدكتور أشوك خوسلا والممثل الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الدكتور إياد أبو مغلي.
وحضرت وفود نيابية عربية ووفود من صناديق التنمية العربية، وعدد كبير من السفراء والديبلوماسيين ورجال الأعمال ورؤساء الشركات والهيئات الأعضاء في المنتدى العربي للبيئة والتنمية. وشارك أساتذة وطلاب من نحو 20 جامعة عربية.
سليمان: المحاسبة الخضراء في الموازنة
نوّه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في كلمته بمسيرة المنتدى الحافلة بالمبادرات والتقارير المهمة. ولفت الى أن الأرقام الواردة في تقرير البصمة البيئية تبعث على القلق وينبغي أن تساعد في تحديد تفاصيل المسار الذي يجب أن تسلكه دول المنطقة. ودعا الى “تعميم هذا التقرير على المستوى الوطني في جميع البلدان العربية من خلال لقاءات عمل تطال مختلف الأطراف العلمية، من الإدارات والمؤسسات الرسمية والسلطات المحلية والقطاع التربوي والأكاديمي والمجتمع المدني والهيئات الاقتصادية والإعلام والمواطنين عموماً، وتحديد التدابير التي يجب اتخاذها على الصعيد الاستراتيجي بهدف إدماج التوصيات التي آل اليها التقرير“. وأكد على ضرورة دعم الأبحاث في مجالات البيئة والتنمية، والمباشرة باعتماد المحاسبة الخضراء في إعداد الموازنات والصرف على أساسها.
صعب: أعمال المنتدى سنة 2012
قدم أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية نجيب صعب تقريراً عن أعمال المنتدى لسنة 2012 فقد ازداد عدد المؤسسات الأعضاء في جميع الفئات إلى 120. وساهم المنتدى في 38 تقريراً واجتماعاً إقليمياً ودولياً. وقدم المشورة الفنية إلى حكومات ومنظمات عربية. وشارك في مفاوضات تغير المناخ، واعتُبر اقتراحه باعتماد ثلاثة مسارات لتخفيض الكربون حلاً جدياً لكسر الحلقة المفرغة في المفاوضات الدولية. وأنتج المنتدى دليلاً حول كفاءة الطاقة في أبنية المكاتب العربية وأطلق برنامجاً متكاملاً في التربية البيئية، بدأ استخدامه في مدارس سعودية ولبنانية وأردنية، وعممته وزارة التربية اللبنانية على جميع المدارس. كما طور المنتدى مواقع إلكترونية جديدة ووسع وجوده على شبكات التواصل الاجتماعي. ووسع التعاون مع وسائل الإعلام الأعضاء، حيث تنشر 12 صحيفة يومية رائدة في أنحاء العالم العربي صفحات بيئية بالاشتراك مع المنتدى.
بدران: خطر اقتصادي وأمني
وقال رئيس مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية دولة الدكتور عدنان بدران بالمشاركين، وقال: “إن ما توصل إليه تقرير أفد لسنة 2012 هو أن المنطقة العربية تسير في عدم توازن بين العرض والطلب لمواردنا الطبيعية، مما سيؤدي حتماً إلى انهيار اقتصادي وعبث في استقرار المنطقة وأمنها. وهذا يتطلب منا الدراسة والتحليل للوصول إلى معادلات وحسابات توازن بيئي مستدام لجيلنا والأجيال العربية القادمة“. وأعلن بدران أن مجلة “البيئة والتنمية” التي تصدر منذ العام 1996 أصبحت رسمياً مجلة المنتدى.
المبارك: مبادرة البصمة البيئية للإمارات
وفي كلمة هيئة البيئة – أبوظبي، الشريك الرسمي في المؤتمر، أشارت أمين عام الهيئة رزان خليفة المبارك في اتصال بالفيديو من أبوظبي الى التحديات التي تواجهها المنطقة، من تغير المناخ وتلوث الهواء الى استنزاف المياه الجوفية. ومن جهود أبوظبي لمواجهة هذه التحديات مبادرة البصمة البيئية لدولة الإمارات لقياس استهلاكها من الموارد واعتماد السياسات اللازمة لتخفيف البصمة في جميع المجالات، خصوصاً الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والمياه والمباني الخضراء، ما يؤدي الى تقليص 40 في المئة من الطاقة المستهلكة وعشرة ملايين طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً مع تحقيق فوائد اقتصادية.
لوفيفر: حلول مستندة الى الطبيعة
ألقت جوليا لوفيفر، المديرة العامة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، كلمة رئيسية حول الحلول المستندة الى الطبيعة لتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة العربية، والتي يمكن أن تكون غير مكلفة نسبياً ويمكن قياس نتائجها وتكرارها، بشرط تضافر جهود القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. وعددت مشاريع في هذا المجال يقوم بها الاتحاد في المنطقة العربية، مثل إعادة تأهيل نهر الزرقاء في الأردن وأهوار العراق وواحات المغرب وغابات لبنان والشعاب المرجانية في البحر الأحمر والخليج والبحر المتوسط، وإعداد قاعدة للموارد الوراثية في السعودية. وفي إشارة الى الربيع العربي، أكدت على أن هذه فرصة سانحة لتوجيه الشباب نحو حماية البيئة من أجل حياة أفضل.
البصمة البيئية وخيارات البقاء في البلدان العربية
تم تقديم تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية “خيارات البقاء: البصمة البيئية في البلدان العربية” في جلسة أدارها الدكتور أشوك خوسلا، رئيس نادي روما ورئيس منظمة بدائل التنمية.
فأوضح الدكتور ماتيس واكرناغل، رئيس شبكة البصمة البيئية العالمية، أن الشبكة أجرت دراسة استقصائية لاستهلاك الموارد الطبيعية ومدى تجددها في البلدان العربية، لإنتاج أطلس البصمة البيئية لبلدان المنطقة. واعتمدت في حساباتها على بيانات من منظمات دولية مرموقة، مثل منظمة الأغذية والزراعة ووكالة الطاقة الدولية. كما استخدمت البيانات التي جمعها المنتدى العربي للبيئة والتنمية في تقاريره السابقة. ودعا صانعي القرار وعامة الناس إلى إدخال المحاسبة البيئية في ممارساتهم اليومية.
وعرض نجيب صعب، الأمين العام للمنتدى والمحرر الرئيسي للتقرير، أبرز النتائج التي توصل إليها التقرير. فقال: “إذا كان النمو في الناتج المحلي الإجمالي هو المقياس، فقد حققت البلدان العربية نتائج جيدة خلال السنوات الخمسين الماضية، إذ ارتفع معدل دخل الفرد أربعة أضعاف. وفي حين انعكس هذا ارتفاعاً في مستوى المعيشة في عدة مناطق، إلا أنه لم يحقق بالضرورة نوعية حياة أفضل، ولا هو حسّن من فرص العيش المستدام في المستقبل. فقد شهدت الفترة نفسها هبوطاً حاداً في الموارد الطبيعية في المنطقة الى أقل من نصف ما كانت عليه، ورافق ذلك تدهور متسارع في الأوضاع البيئية، ما جعل المنطقة على شفير الإفلاس في الأنظمة الإيكولوجية“.
الطاقة المستدامة وأنماط الإنتاج والاستهلاك
تناولت الجلسة الأولى الخيارات المتاحة للتحول إلى قطاع طاقة أكثر استدامة في البلدان العربية، عبر تحسين كفاءة الطاقة وزيادة حصة الطاقة المتجددة. أدار الجلسة الدكتور محمد العشري، رئيس الشبكة العالمية للطاقة المتجددة. وشارك فيها الدكتور ابراهيم عبد الجليل أستاذ كرسي الشيخ زايد للبيئة في جامعة الخليج العربي، والدكتور طارق امطيرة المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، ومجيد جعفر الرئيس التنفيذي لنفط الهلال، ونبيل حبايب الرئيس التنفيذي لجنرال إلكتريك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ونوقشت في الجلسة الثانية قضايا الغذاء والماء وأنماط الإنتاج والاستهلاك. وتم تسليط الضوء على ما جاء في تقرير المنتدى حول تزايد حجم العجز المائي والغذائي في المنطقة، مع التأكيد على إمكانية سد العجز إذا استطاع منتجو الحبوب العرب الرئيسيون رفع كفاءة الإنتاج والري إلى المعدل العالمي، وأن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب تعاوناً إقليمياً. شارك في هذه الجلسة الدكتور عبدالكريم صادق كبير الاقتصاديين في الصندوق الكويتي للتنمية، وبشار زيتون مدير البرامج في المنتدى العربي للبيئة والتنمية.
جلسة وزارية
عقدت جلسة وزارية حول خيارات الاستدامة وسياسات البقاء والنمو، أدارها الدكتور عدنان بدران رئيس وزراء الأردن السابق، وشارك فيها وزير البيئة الفلسطيني الدكتور يوسف أبو صفية، ووزير البيئة والغابات والتنمية العمرانية في السودان حسن عبدالقادر هلال، ومستشار الرئاسة المصرية لشؤون البيئة الدكتور خالد علم الدين، والمدير التنفيذي للمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية وزير الصحة الكويتي السابق الدكتور عبدالرحمن العوضي، والمدير والممثل الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الدكتور إياد أبو مغلي.
ونظمت جلسة تشاورية حول مبادئ البصمة البيئية العالمية ومثال دولة الإمارات العربية المتحدة، شارك فيها الدكتور ماتيس واكرناغل رئيس شبكة البصمة البيئية العالمية، والدكتور أليساندرو غالي مدير برنامج المتوسط، وتخللتها مناقشة عامة.
وخصصت جلسة مميزة لطلاب الجامعات، تناقش فيها جامعيون من ثمانية بلدان عربية، تحت عنوان “قادة المستقبل: الشباب العربي يتحدث عن حقه في الموارد الطبيعة“. وشارك في الحوار وزير البيئة في لبنان الدكتور حسان دياب، والدكتور محمد مصالحة من الجامعة الأردنية، والأستاذ إيلي سميا من الجامعة اللبنانية الأميركية.
يبدأ اليوم الثاني من المؤتمر بحوار خاص حول مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في الدوحة. وتعقد جلسة حول دور قطاع الأعمال في خفض البصمة البيئية. كما يستضيف المؤتمر اجتماع الشبكة الإقليمية للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة. ويتم تقديم دليل كفاءة الطاقة ودليل التربية البيئية اللذين أصدرهما المنتدى العربي للبيئة والتنمية.
حقائق وأرقام من تقرير البصمة البيئية في البلدان العربية
متوسط البصمة البيئية في المنطقة العربية هو 2.1 هكتار عالمي للفرد، بزيادة 78 في المئة عمّا كان عام 1961.
توافر القدرة البيولوجية في المنطقة العربية يبلغ 0.9 هكتار عالمي للفرد، بانخفاض 60 في المئة عن العام 1961.
لو عاش كل البشر مثل الفرد العادي المقيم في الدول الأعضاء في الجامعة العربية، لكانت هناك حاجة إلى 1.2 كوكب للوفاء احتياجات البشر من الموارد.
لو عاش جميع البشر مثل الفرد العادي المقيم في قطر، لكانت هناك حاجة إلى 6.6 كواكب لتلبية هذا المستوى من الاستهلاك وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وفي المقابل، لو عاش جميع الناس مثل الفرد العادي اليمني، لاحتاجت البشرية إلى نصف كوكب الأرض.
يستهلك سكّان البلد الذي سجّل أعلى بصمة بيئية للفرد، وهو قطر (11.7 هكتار عالمي للفرد)، في المتوسّط، أكثر من 13 ضعف ما يستهلكه المقيمون في اليمن.
العنصر الأكبر في البصمة البيئية، على الصعيد العالمي، هو البصمة الكربونية التي تشكل 55% من البصمة البيئية. أما في البلدان العربية، فتشكل البصمة الكربونية 45 في المئة من البصمة الإجمالية، وهي كانت العنصر الوحيد الذي ازداد، على أساس الفرد، منذ 1961.
العنصر الأكبر في القدرة البيولوجية، على الصعيد العالمي، هو الغابات التي تشكل 43 في المئة من هذه القدرة. أما في الدول العربية، فإن الأراضي الزراعية هي العنصر الأكبر، إذ تشكل 32 في المئة من إجمالي القدرة البيولوجية، وقد كانت الاستخدام الوحيد للأراضي الذي لم يشهد تدنّياً ملحوظاً في توافره للفرد منذ العام 1961. وربّما كان السبب اتّباع أساليب الزراعة المكثفة والمبالغة في استخراج المياه الجوفية.
يعيش 1.9 بليون نسمة حول العالم في بلدان تفوق بصمتها البيئية للفرد البصمة في البلدان العربية.
يعيش 2.7 بليون نسمة حول العالم في بلدان تفوق قدرتها البيولوجية للفرد القدرة البيولوجية في البلدان العربية.
الملخص التنفيذي لتقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية “خيارات البقاء: البصمة البيئية في البلدان العربية“.
اذا كان النمو في أرقام إجمالي الدخل المحلي هو المقياس، فقد حققت البلدان العربية نتائج جيدة خلال السنوات الخمسين الماضية، إذ ارتفع معدل دخل الفرد أربعة أضعاف. وفي حين انعكس هذا ارتفاعاً في مستوى المعيشة في مناطق متعددة، فهو لم يحقق بالضرورة نوعية حياة أفضل ولا هو حسّن من فرص النمو المستدام في المستقبل. فقد شهدت الفترة نفسها هبوطاً حاداً في حصة الفرد من الموارد الطبيعية، بحيث انخفضت الى أقل من نصف ما كانت عليه. ورافق هذا تدهور متسارع في الأوضاع البيئية، ما جعل المنطقة على شفير الإفلاس في الموارد الإيكولوجية. هذا ما توصل اليه التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، الذي حذّر من أن مخاطر هذا الوضع لا تنحصر بفرض قيود على النمو ونوعية الحياة في المستقبل، بل هي تهدد فرص البقاء نفسها.
لقد دخلت المنطقة العربية مرحلة العجز في الموارد منذ عام 1979. واليوم تبلغ مستويات استهلاك البضائع والخدمات الأساسية لاستمرار الحياة ضعفي ما يمكن للأنظمة الطبيعية المحلية توفيره. وترافق هذا مع ارتفاع البصمة البيئية الى الضعفين وانخفاض المياه العذبة المتوفرة للفرد أربعة أضعاف.
هذه هي بعض أبرز النتائج التي توصل اليها أطلس البصمة البيئية والموارد، الذي أعده باحثون من شبكة البصمة البيئية العالمية خصيصاً للتقرير السنوي للمنتدى. يحلّل الأطلس حجم الطلب على الموارد، أي البصمة البيئية، والامدادات المتوافرة بمقياس “الهكتارات العالمية“، وذلك لإلقاء الضوء على محدودية الموارد في البلدان العربية من حيث قدرة الطبيعة على التجديد.
البصمة البيئية
تقع معظم البلدان العربية اليوم تحت وطأة ديون إيكولوجية كبيرة. فمقارنة مع عام 1961، ارتفع مستوى البصمة البيئية للمنطقة 78 في المئة، من 1,2 الى 2,1 هكتار عالمي للفرد. وقد تسبب بهذا الانهيار عاملان أساسيان. الأول هو ارتفاع عدد السكان 3,5 مرات، ما أدى الى ارتفاع عام في الاستهلاك. أما العامل الثاني فهو الارتفاع الحاد في كمية الموارد التي يستهلكها الفرد، وذلك بسبب ارتفاع معدلات الدخل والتبدل في أنماط الحياة.
انخفض معدل الموارد الحيوية المتوافرة للفرد في البلدان العربية 60 في المئة خلال خمسين عاماً، من 2,2 الى 0,9 هكتار عالمي. ويمكن ارجاع هذا الانخفاض الحاد أساساً الى التزايد الكبير في السكان وتدهور القدرة الانتاجية للأنظمة الطبيعية في المنطقة، بسبب التلوث وتدمير الموائل الطبيعية والإدارة غير الملائمة للموارد.
ويتم سد العجز في الموارد الطبيعية بشكل أساسي عن طريق الاستيراد واستنزاف الموارد المحدودة المتوافرة محلياً. ويحذّر تقرير “أفد” من أن هذه الاستراتيجية غير قابلة للاستمرار، لأن الاستخدام المفرط يؤدي في المدى الطويل الى استنفاد مخزون الموارد الطبيعية وتدهور بيئي لا يمكن تصحيحه.
فمن جهة، يهدد الاعتماد المفرط على الاستيراد الأمن الاقتصادي، بسبب الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية المستوردة وخطر توقف الامدادات والقيود التجارية. أما الدول العربية غير المنتجة للنفط، فيؤدي تحمّلها ديوناً لتمويل الاستيراد الى وضع قيود على نموها الاقتصادي ويحدّ من قدرتها على تحسين نوعية حياة مواطنيها في المستقبل.
ومن جهة أخرى، فإن للادارة غير الملائمة للموارد انعكاسات خطيرة على البيئة. وقد حذّرت التقارير السنوية المتتالية التي أصدرها المنتدى العربي للبيئة والتنمية من أن الافراط في استغلال الموارد، وأثر التغير المناخي، والزيادة السكانية المرتفعة، والنمو الاقتصادي والعمراني غير المنضبط، كلها تضاعف من التحديات البيئية التي تواجه المنطقة وتحدّ من القدرة على إدارتها. وفي طليعة هذه التحديات ندرة المياه، وتدهور الأراضي، والإدارة غير السليمة للنفايات، وتدهور البيئة البحرية والساحلية، وتلوث الهواء والماء. وقدرت تقارير “أفد” كلفة التدهور البيئي في المنطقة العربية بحوالى خمسة في المئة من إجمالي الدخل المحلي، في حين أن ما تخصصه الميزانيات الوطنية للادارة البيئية لا يتجاوز الواحد في المئة في أي بلد.
وتظهر البيانات الواردة في أطلس البصمة البيئية تفاوتاً كبيراً بين البلدان العربية. فالمعدل الفردي للبصمة البيئية في قطر هو الأعلى في العالم (11,7 هكتار عالمي للفرد)، وهذا يتجاوز بتسعة أضعاف معدل البصمة البيئية في المغرب. أما الكويت والامارات العربية المتحدة فتقعان في المرتبتين الثانية والثالثة بين الدول صاحبة البصمة البيئية الأعلى في العالم.
ويتبين من أرقام الأطلس أنه اذا عاش جميع سكان العالم وفق المعدل العام للمواطن العربي، ستكون هناك حاجة الى 1,2 كرة أرضية. أما اذا عاشوا وفق معدل قطر، فستكون هناك حاجة الى 6,6 كواكب لتلبية مستوى الاستهلاك وانبعاثات الكربون. في المقابل، اذا عاش العالم وفق المعدل في المغرب، ستكون هناك حاجة الى ثلاثة أرباع الكرة الأرضية فقط لتلبية حاجاتهم.
ويَظهر التفاوت أيضاً في أشكال أخرى، مثل كمية المياه العذبة المتوافرة للفرد، التي تراوح بين 8 أمتار مكعبة في الكويت و3460 متراً مكعباً في موريتانيا، ومعدل الدخل الفردي الذي يراوح بين ما يقارب ألف دولار في السودان واليمن وأكثر من 92 ألف دولار في قطر.
إلا أن معدل البصمة البيئية للفرد في بعض الدول العربية، مثل اليمن، منخفض جداً مقارنة مع المعدل العالمي. ويشير تقرير “أفد” الى أنه أقل حتى مما هو مطلوب لتأمين الحد الأدنى من حاجات الغذاء والمأوى والصحة والنظافة الأساسية. لهذا فإن تقليل الطلب على الموارد لا يوفر في جميع الحالات الحل الوحيد لسد العجز. فلتحسين نوعية الحياة، لا بد من إقامة توازن في توزيع الموارد ما بين الدول والمناطق، لتحقيق عدالة في حصة الفرد من الموارد الطبيعية المتجددة. وهذا يتطلب تحسين الكفاءة وإدارة مبتكرة للموارد.
ويكشف الأطلس أن البصمة الكربونية شهدت النسبة الأعلى من الارتفاع خلال السنوات الخمسين الماضية، مع نمو استهلاك الطاقة في المنطقة العربية أكثر مما في أي منطقة أخرى في العالم. وهذا يعكس انتشار الصناعات المستنزفة للطاقة والطلب المتزايد على الكهرباء ووسائل النقل من أعداد متزايدة من السكان. وقد تميز استهلاك الطاقة في المنطقة العربية بالهدر وانخفاض معدلات الكفاءة. لهذا فإن كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة يشكلان عاملين أساسيين لتخفيف البصمة الإيكولوجية.
تغيير المسار
في ضوء الضغوط على الموارد في البلدان العربية، يركز تقرير “أفد” على تحقيق الرخاء الاقتصادي مع الحفاظ على صحة البيئة في الوقت نفسه. إنه يحاول استكشاف مستوى استهلاك الموارد الأكثر ملاءمة للاقتصادات العربية، استناداً الى رأس المال الطبيعي المتوافر.
معالجة هذه الأسئلة تتطلب تحولاً في السياسات الاقتصادية، بحيث تأخذ في الاعتبار محدوديات الموارد الطبيعية المتوافرة محلياً. وسيكون على متخذي القرار في البلدان العربية التطلع أبعد من أرقام الناتج الاجمالي المحلي كمعيار للأداء، وتطوير التحليل الاقتصادي بإدخال معلومات حول استهلاك الموارد وتوافرها وقدرة الطبيعة على تجديدها.
صحيح أن تحديد أهداف للتنمية يعتبر حقاً سيادياً وطنياً للحكومات. غير أن على خطط النمو الاقتصادي أن تأخذ في الاعتبار المحدوديات الإيكولوجية وقدرة الطبيعة على دعم متطلبات الحياة بشكل مستدام. واستناداً الى الكفاءة المتدنية في أنماط الانتاج، على الدول العربية تحسين الانتاجية الاقتصادية لمواردها، من خلال التعامل مع كفاءة الطاقة والمياه كهدف استراتيجي مركزي.
وفي حين يحذّر تقرير “أفد” من التزايد في حجم العجز الغذائي، فهو يكشف أنه اذا استطاع منتجو الحبوب العرب الرئيسيون وقف الهدر ورفع كفاءة الانتاج والري الى المعدل العالمي، سيكون بإمكانهم سد العجز. غير أن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب تعاوناً إقليمياً، إذ لا يمكن الوصول اليه على مستوى كل دولة منفردة من دون التسبب بمضاعفات بيئية خطيرة، خاصة في مجال استنزاف المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية.
البرامج الإقليمية في البحث العلمي هي مفتاح تحقيق الاستدامة والنمو المتوازن للجميع. والخيار الأساسي الذي لا بد من اتخاذه هو استخدام الدخل الحالي من النفط لبناء قاعدة علمية وتكنولوجية صلبة، كاستراتيجية لضمان البقاء وضمان فرص حياة جيدة في عصر ما بعض النفط.
ملاحظات ختامية
وفي المحصلة، نجد أن البلدان العربية تواجه تحدي تأمين ظروف حياة جيدة مستدامة لجميع سكانها، بدل السعي لتحقيق النمو من أجل النمو نفسه، لزيادة أرقام الناتج المحلي بأي ثمن.
وقد وجد تقرير “أفد” أنه لا يمكن لأي بلد عربي الحياة ككيان منعزل. ويوفر التنوع في الموارد الطبيعية والبشرية في المنطقة العربية أساساً صلباً للبقاء والتجدد. لكن هذا يتطلب تعاوناً إقليمياً اقتصادياً وتحرير التجارة بين الدول العربية من القيود، بحيث يشكل الانتقال الحر للبضائع والرساميل والقوى العاملة عنصر قوة تستفيد منه جميع دول المنطقة. من مصلحة الدول العربية أن تعمل ككيانات متكاملة، خاصة في عصر يتحول فيه العالم الى تكتلات اقتصادية وتجارية إقليمية، تقوم على المصالح المشتركة.
لا يرمي هذا التقرير الى زرع الخوف والهلع حول العجز في الموارد، مع أن بعض استنتاجاته قد تبدو سوداوية. إنه يرمي الى تأكيد الحاجة إلى تغيير المسار، استناداً الى رؤية لمستقبل المنطقة العربية يحفزها الأمل.
وفي هذا الإطار، يشير التقرير الى بوادر أمل تُظهر أن بعض الدول العربية بدأت بالفعل خطوات نحو الاستجابة للتحديات. فالإمارات العربية المتحدة، مثلاً، التي هي صاحبة البصمة البيئية الثالثة الأعلى في العالم، بدأت مبادرة وطنية رائدة لقياس بصمتها البيئية، وذلك بهدف معالجة العجز في الموارد واعتماد سياسات في التنمية المستدامة تقوم على العلم. ويشكل معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا في أبوظبي وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا في جدة ومؤسسة قطر نماذج لمبادرات إقليمية تدعم التنمية المتوازنة عن طريق الأبحاث العلمية في الطاقة المتجددة وإنتاج الغذاء وإدارة المياه. كما أن مباشرة المغرب بالتحول الى الطاقة المتجددة بنسبة 40 في المئة مع حلول سنة 2020 تشكل أحد أكثر البرامج طموحاً في العالم.
إن تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول فرص الاستدامة هو دعوة الى البلدان العربية للقيام بعمل جماعي من أجل اعتماد رؤية اقتصادية وبيئية مستدامة. التعاون الإقليمي، وكفاءة الموارد، والاستهلاك المتوازن، تشكل خيارات البقاء للمنطقة العربية. المطلوب مباشرة العمل فوراً، إذ لا يحتمل العرب إضاعة نصف قرن آخر من الخطب الرنانة حول “الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة“.